(مآثر الفقيه….محمد إسماعيل الفقيه)- الدكتور علي جمال الدين هيجان

بقلم الدكتور/ علي جمال الدين هيجان

 

* توطئة :
يقيض الله على حين فترة من اندراس العلم،وندرة العلماء، ثلة مباركة من طلاب العلم المثابرين
والدعاة الربانيبن، والفقهاء المتفانين
ممن يأخذون على عواتقهم الاضطلاع الكامل والمستبصر
بشؤون العقيدة وأمور الدين، وماذاك
إلا حرصا منهم على تلمس حاجات الناس الماسة جدا لمعرفة تعاليم الدين الإسلامي الحق، إلى جانب
تبصيرهم بفقه العبادات والمعاملات،
وما يتوجب على المسلم فعله في حال النوازل، وعند انعدام الأمن
وتفشي الجهل، وشيوع الفقر، وانتشار الأمراض والأوبئة المعدية
والفتاكة،ومايواكب ذلك من تعد في الخصومات، وتجن في التعاملات وكثرة الاحتراب والمنازعات،حيث تسود ثقافة الاعتداء والسطو على حقوق الآخرين دون وازع من دين أو رادع من إنسانية في عديد من الأماكن التي تنعدم فيها السلطة
الزاجرة،وتغيب عنها المسؤولية الراعية،حيث لا حكم رشيد،ولا نظام سديد، وإنما فوضى عارمة تكون الغلبة فيها للأقوى الذي لا يرعوي ولا يراعي في مؤمن ولا مؤمنة إلا ولا ذمة.
في هذه البيئة المثقلة بالأوصاب
الاجتماعية، والحبلى بالتشوهات
العقدية، والمتخمة بالخرافات
الشركية والضلالات العرفية، ولد الشيخ الجليل ، والداعية الفضيل
(محمد بن إسماعيل مهدي الفقيه) يرحمه الله،
وما إن درج في سن السابعة من عمره حتى لاحظ عليه والده
مخاييل النجابة، ودلالات الفطانة،
وتفطن لحرصه على طلب العلم وتحصيله،
وكان هذا الشعور يزداد لديه رسوخا
كلما بارح مغريات سن اليفاعة،
وتخطى ملهيات مرحلة الصبا،وتجاوز مفاتن طور المراهقة،مما يدلل على أنه شب عن الطوق قبل آوانه، وانسحب من صخب المراهقة في أوج غليانها وثورة اشتعالها…حيث اكتسى سيماء الحكماء، وتوشح رداء الأتقياء،وهو لما يزل في بواكير عمره البريء، وفي أكناف طفولته العذرية.
وهذا يدل على أن الشيخ محمد بن إسماعيل مهدي الفقيه قد استشعر مدى حاجة الناس الملحة في قريته النائية(السلامة
العليا) إلى من يفقههم في شؤون دينهم ويبصرهم بشجون وموجهات دنياهم.لاسيما وأن الفطر سوية، والأعراف نقية،والبيوتات كريمة والنواميس جد بهية…وأن الناس عطشى بالفطرة ويتوقون بالسجية لمن يروي ظمأهم
من معين الإيمان، ويترع أفئدتهم من مناهل الإسلام،
وأن أقل موعظة تستذرف الدموع العاصية،وتستلين القلوب القاسية بالرغم من وجود بعض الملوثات العقدية الدخيلة
وهذا يؤكد على أن (الشيخ محمد
بن إسماعيل مهدي الفقيه) يحمل بين جنبيه روحا مفعمة بالتقوى
والإيمان، ومترعة بالهدى والإحسان،
وأنه شغوف حتى الثمالة بإنقاذ
الوسط المحيط به من براثن
الضلالات، وانتشالهم من غياهب
الجهالات، وحمايتهم من أوبئة
الخزعبلات وحمأة الخرافات، وبخاصة وهو محبب في بني قومه،
ويحظى منهم بوافر التقدير،وفائق الاحترام ولاسيما وقد شاع بالخيرية ذكره ومنهجه وورعه،
وذاع بالسماحة صيته ورشده وحكمته.
ولعل من ضمن ما يمتاز به الشيخ يرحمه الله حتى وهو في صباه، هو مقدرته الفائقة في معرفة خصائص مجتمعه،ودرايته
الواسعة بأحوال الناس المعيشية
والحياتية، والتي تعد من أهم الركائز التي يتكأ عليها الدعاة الموفقون،وطلاب العلم المسددون
في إنجاح دعوتهم وتحقيق مآربهم السامية ، في إرشاد الناس للسبيل
الإيماني الأقوم، والنمط الحياتي
الأسلم. استرشادا بقوله تعالى :
( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين)
فيا ترى من يكون هذا الداعية الفضيل، والشيخ الجليل،والإنسان
النبيل، والمجتمعي الأصيل؟؟؟
* مولده ونشأته/
لكون الشيخ محمد بن إسماعيل مهدي الفقيه، والمشهور ب(الشيخ محمد إسماعيل الفقيه)
طالب علم وفقيه في آن معا ، فقد اهتم بتوثيق تاريخ ميلاده استنادا
إلى والده ،مع ربط تاريخ ميلاده بالإحداث والوقائع التي تعارف الناس عليها في الأزمنة الغابرة في تدوين حالات الولادة والوفاة ، وما شابهها…لذا فقد وثق الشيخ يرحمه الله تاريخ مولده في
عام ١٣٢٧ه في قرية السلامة العليا،
القريبة من (مدينة بيش).
وكانت ضمن ما كان يسمى آنذاك
ب (المخلاف السليماني) وتحديدا في زمن حكم الإدريسي، وذلك قبل أن تنعم منطقة جازان بالإنضواء في كنف حكم الملك عبد العزيز طيب الله ثراه ، وقبل أن تنظم
إلى نطاق سلطانه بشكل كامل في
عام ١٣٥١ للهجرة.
وحري بالذكر بأن الشيخ ينتمي إلى أسرة عريقة، وينتسب إلى بيت له في المكرمات
القدح المعلى، والشرف الأوفى، لكونه ينتسب إلى أسرة(الفقهاء) وهي أسرة عريقة المحتد، كريمة المنبت،
ولهم شهرة واسعة جدا في(بيش)
بل وفي منطقة جازان، وهي من الأسر الضاربة في أعماق التاريخ
(ديانة وشجاعة وكرما وأمانة ونبلا
وفضلا) بل وإن (الفقهاء) أهل حظوة
وحفاوة من قديم الزمان، ولهم المنزلة السامية الرفيعة، والمكانة العالية المنيعة – وعلى نطاق واسع-
في الحل والعقد ، وأن أدوارهم مؤثرة ومعتبرة في اليسر والعسر،
وفي السلم والحرب – شأنهم شأن كل الأسر العريقة والبيوتات الكريمة التي يزخر بها وطننا المعطاء السعودية العظمى _ كما تؤكد
ذلك الوثيقة المؤرخة في عام ١٣١٧ للهجرة، وهي وثيقة مجتمعية هامة
تتعلق بالسلم الاجتماعي ، والتآزرات
التحالفية ،ضد كل من تسول له نفسه تعكير
صفو الأمن المجتمعي ،
والتي ناب فيها الشيخ اسماعيل بن
مهدي الفقيه عن (الفقهاء) في الالتزام بما تستوجبه الحياة المجتمعية التشاركية في كافة الأحوال وسائر الظروف…وفي هذا تأكيد بين على علو كعب (الفقهاء)
شأنهم شأن القبائل المماثلة لهم
شرفا ومجدا، وعلوا وسؤددا.
ومن هنا كان لأسرة(الفقهاء) في السلامة العليا ، بل وفي المخلاف السليماني بأكمله سمعة معتبرة، ومكانة مقدرة ، ولا تذكر الأسر العريقة ، والقبائل القوية المتسيدة،
والبيوتات الرفيعة المنيفة ، إلا وهم في ذؤابة المجد، لعظيم فضلها، وجليل قدرها وعلو شأنها.
وقد نشأ الشيخ محمد بن إسماعيل الفقيه ،على غرار أقرانه وشأن أترابه، حيث كان والده يمتهن الفلاحة إلى جانب رعي ما يمتلكه من بهيمة الأنعام…ولكونه الإبن الأكبر
لوالديه ، فلم يجد بدا من مساعدة والده وخدمة أسرته في أعمال الفلاحة، ورعي الماشية، وجلب المياه من الآبار، وكلها أعمال ولاريب
تتطلب مجهودات عالية جدا، ويعاني
الممارسون لها من مستويات عالية من التعب والوصب،ولكن الشيخ في طفولته لم يكن يستنكف القيام بهذه
المشغووليات الأسرية المضنية،
والأعمال الحياتية المجهدة.
ولعل مما زاد من استشعار الشيخ في طفولته لحاجة والديه الماسة للمساندة والمعاونة…أنه
الإبن الأكبر ،وله أخ شقيق ، وثلاث شقيقات، وهو مما درج عليه العرف الاجتماعي، في أن الإبن الأكبر يتولى القيام بأعباء مهنية، ومعيشية كبرى
وهم ما يزالون في بواكير حياتهم،
وبدايات تمرسهم على المهن والحرف
المحلية الشائعة، التي تواكب التضاريس الجغرافية ،والأحوال المناخية، والموجودات الحياتية،
والموجبات المعيشية.
* فطانته ونجابته :
استشعر والده(يرحمهما الله) أن ابنه
محمد وهو في بواكير سني عمره يتسم بذكاء حاد ،وفكر وقاد، وأنه يحسن التعامل مع المواقف والأحداث التي تعترضه، وأنه في ذات الوقت يكثر طرح التساؤلات، وإيراد الاستفسارات عن الأمور والمتغيرات التي تستجد أمام ناظريه، وما ذاك إلا شغفا منه لسبر أغوار الوقائع والأحداث، ورغبته في تحليل كافة المشاهدات ،التي يتعرض لها فكره اليقض ، بالرغم من سنه الغض ،
وكان يلحظ على (نفس ابنه) الأبية
نفورها الشديد من العادات والتقاليد والممارسات المجافية للدين، والمنابذة لطهر العقيدة السمحاء.
ومن هنا لم يكن غريبا أن يتيقن والده،وأن يتفطن كبار المجتع،وعلية القوم
في بلده ، إلى ما يمتاز به الشيخ
في طفولته من نباهة ونبالة، أهلته لأن يكون في المستقبل القريب طالب العلم النجيب،والفقيه اللبيب،
وأن ظن والده فيه لم يكن ليخيب.
وما كان في وسع والده إلا أن أطلق له العنان لاستثمار مواهبه المتقدة.
وتنمية قدراته المتفردة، وبخاصة وأن والده قد لاحظ شغف ابنه بطلب العلم في سن مبكرة. دون أن يؤثر ذلك في مساندته لوالده في أعمال الفلاحة، وشؤون الرعي، وكل ما تستوجبه الحراكات المجتمعية من متطلبات معيشية، وواجبات حياتية،
وأعراف تعاملية لامناص منها.
* طلبه للعلم :
لم يجد والد الشيخ(محمد بن اسماعيل) بدا من الاستجابة لرغبة ابنه الجياشة ،وبغيته الوثابة، في طلب العلم،وجني ثماره النافعة، تعزيزا منه لتلك الرغبة الجامحة، ذات النفس الطامحة،والمفعمة بنور العلم وشموس المعرفة،حيث بادر بإلحاق ابنه بدار العلم( الكتاب) على يد الشيخ محمد حسين شماخي، حيث كان التعليم يتم في الكتاتيب ويقتصر على تعلم القراءة والكتابة،
وحفظ القرآن الكريم،وكان عمر الشيخ آنذاك يدرج في سن السابعة تقريبا ، وقد استر الشيخ الشماخي بنجابة الطالب وألمعيته، فأدناه وقربه، واحتضنه وحفزه….ولما علا شأن الفتى اللوذعي ،
وذاعت أنباء تفوقه ونجابته،أخذت تتجه إليه الأنظار،وتعلق عليه الأمال من أهل (الحل والعقد ) في السلامة العليا ، على أمل أن يكون (فقيهها المعقود، وشيخها المنشود)ولكنه ما إن بلغ سن الثانية عشرة من عمره حتى تخطفت يد المنون،من بين يديه ، والده الحنون، ليجد نفسه في هذه السن الحرجة مسؤولا مسؤولية كاملة عن أسرته المكونة من (أمه وشقيقه وشقيقتيه) فأحسن بل وأجاد إدارة وقته،وجدولة مسؤولياته ، حيث يعمل في النهار ،للقيام بموجبات الرزق له ولأسرته المكلومة، ليكفل لهم العيشة الكريمة ، والحياة الهانئة ،وفي ذات الوقت لم يفوت على نفسه بغيته الثمينة، ومستهدفاته النفيسة، في طلب العلم في الفترة المسائية ،على يد إمام وخطيب جامع (قرية السلامة العليا)الشيخ علي بن منصور الدواري،والذي أدرك مواهب الطالب المتوهجة، وهمته المتقدة، وجبلته المتحمسة،فكان يخصه
– وبشكل مستدام-
بالعناية والرعاية ،استجابة لقدراته الفائقة، ومواكبة لذكائه الواسع، واستثمارا لملكاته الباهرة ،والتي أهلته لأن يصبح الأول على زملائه دون أدنى منازع أو منافس.
وهذا ماجعل شيخه (الشيخ علي منصور الدواري)يعول عليه في أن يخلفه في الإمامة والخطابة حتى وهو في سن مبكرة، وهذا يوضح لكل ذي لب وبصيرة بأن اليتم والفقر والعناء لم تزده إلا شموخ همة ، ورسوخ عزيمة.
وشاءت إرادة الله أن تكون منية شيخه الجليل علي دواري، على إثر لدغة ثعبان مميتة،وطالبنا النجيب محمد إسماعيل لما يزل في أوج ترويه من مناهل العلم العذاب ،وهو ما دفع بكبار ووجهاء وأعيان قرية(السلامة العليا) في أن يتوجهوا لطالب العلم الموهوب والمحبوب في آن معا ، ليرتضوه ويكلفوه بالإمامة والخطابة في آن معا ، إلى جانب استمراره في ممارسة كافة الأدوار المعيشية التي كان يقوم بها ، وكذلك جرى تكليفه بالقيام بالدروس العلمية التي كان يضطلع بها شيخه الجليل ، وكان ذلك في عام ١٣٥٦ للهجرة.
وبذلك انتقل الشيخ محمد بن إسماعيل الفقيه، من طور طالب العلم النجيب ، إلى مرتبة الشيخ
المعتبر،والفقيه المقدر، في بني قومه وقريته، وعمره إذ ذاك لم يبارح العشرين حولا ، ولكنه بفضل من الله،
ثم بفضل عصاميته وألمعيته، يمتلك حنكة الكبار ، وسمات الأخيار،
ونفحات الأبرار، وبكل كفاءة واقتدار.
* نشاطه العلمي :
١-ما إن أوكلت إليه مسؤوليات الإمامة
وواجبات الخطابة، وشؤون التدريس حتى أخذ أهل القرية بل والقرى المجاورة لها يتزاحمون على مسجده ،فرادى وجماعات ،وذاك نظرا لما آتاه الله
من صوت ندي، وأسلوب بليغ ومؤثر في الإمامة و الخطابة والتدريس، مما جعلهم يلحون عليه في أن يكون خلفا لشيخه(علي الدواري) في تعليم الناس وتفقيههم، وفي نصحهم
وإرشادهم ، إلى كل سبيل أقوم، ونهج أسلم ،
يفضي إلى جعلهم يعون- وعن علم – أمور دينهم ، وشؤون دنياهم ، فسار بهم على منوال شيخه يعلم الناس
ويرشدهم لسبل النجاة الأخروية، وموجبات السعادة الدنيوية والأخروية، فتكاثر عليه الدارسون من كل حدب وصوب، بحيث لم يعد المسجد يتسع لتنامي أعداد طلاب العلم المتعاظمة يوما بعد يوم ، وهو الأمر الذي حمل الشيخ على تطوير أنماطه التعليمية، وطرائقه التربوية، وأساليبه الدعوية،
ووسائله الإيضاحية.
٢- افتتح الشيخ في داره أول مدرسة للتعليم احتسابا لوجه الله تعالى وكان ذلك في عام ١٣٥٨ للهجرة، وتعالم بها الناس حتى في القرى المجاورة، فأخذوا يرسلون
أبناءهم إليها لثقتهم في علم الشيخ
وكفاءته وحكمته، حتى غدت داره تلك من بين أشهر وأكبر المدارس
الذاتية في المخلاف، وتخرج منها العديد من طلبة العلم والدعاة والخطباء ورجالات الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر المحتسبين.
٣- كان من فضل الله على الشيخ ثم من يمن الطالع أن زاره الشيخ عبد الله القرعاوي ونزل في ضيافته
في عام ١٣٦٣ه وقد سر الشيخ القرعاوي سرورا بالغا لما رأى من مجهودات الشيخ محمد إسماعيل الفقيه في افتتاح مدرسة لتعليم
الناشئة وتبصيرهم بمحامد الدين
على الناس في دنياهم وآخرتهم،
وإن مما زاد من سرور الشيخ القرعاوي وإعجابه هو الطرائق التعليمية الحصيفة، والأساليب التربوية الحكيمة التي يمتاز بها الشيخ (محمد إسماعيل) جعلت
من داره وبحق منارة علمية وواحة
تربوية يتزاحم فيها طلاب العلم ، وهذا ما حدا بالشيخ القرعاوي إلى توسيع المدرسة، وإضافة قسم خاص بها يعنى بتعليم النساء، لتجد إقبالا منقطع النظير.
٤- في عام ١٣٦٧ للهجرة.، حل كل من الشيخين الجليلين(الشيخ عبد الله القرعاوي،والشيخ حافظ حكمي) للمرة الثانية في ضيافة الشيخ الموفق والداعية المترفق (محمدإسماعيل )
حيث أسكنهما في دار أخيه مروعي اسماعيل، وهو الأمر الذي ترتب عليه زيادة الإقبال الشديد على المدرسة
من الذكور والإناث على حد سواء،
وهذه من نعمة الله وآلائه على الشيخ(الفقيه) وقد مكث الشيخان
حولين كاملين في (السلامة العليا) أثمرت فيها الجهود
وانتفع خلالها خلق كثير من طلاب وطالبات العلم الشرعي، بهذا التآزر العلمي بين الشيخ محمد بن إسماعيل الفقيه، وبين الشيخين الجليلين الشيخ عبدالله القرعاوي والشيخ حافظ الحكمي.
٥-مساهمات الشيخ الاجتماعية متنامية وفي عديد من المجالات
وكثير،من الاتجاهات ،ومن ذلك:
$ قيامه بأعمال الإمامة والخطابة
منذ عام ١٣٥٦ه ، وحتى فاضت روحه إلى بارئها في ١٤٣١/٣/٢٣ للهجرة،
أي ثلاثة أرباع قرن من الزمان، دونما
أدنى كلل أو ملل، وكان يدعو خلالها
الناس بالحكمة والموعظة الحسنة،
عم فيها نفعه وتنامى عطاؤه.
٦- كان الشيخ محمد إسماعيل ، مأذون الأنكحة الشرعية، في قرية السلامة العليا وماجاورها ويقوم بإجراء عقود الأنكحة ،ودون أن يتقاضى أجرا على ذلك ، محتسبا
أجره على الله، وطالما دار الزمن دورته فعقد الشيخ (الفقيه) للجد والإبن والحفيد
لا سيما وأن الشيخ عمر طويلا ، ولم يتوانى خلالها طرفة عين في إسعاد
قاصديه وإضفاء السرور عليهم.
٧- الإصلاح بين الناس سمة لازمة للشيخ طوال حياته لما أفاء الله به
عليه من رجاحة عقل ونفاذ بصيرة،
ولما وهبه الله من الحكمة وفصل الخطاب، فكان الشيخ أشبه بمحكمة
ثابتة ومتنقلة، إذ لم يكن يستنكف
أن يفتح صدره قبل داره لحل مشكلات الناس وإصلاح ذات بينهم،
كما أن الشيخ لايتأخر في الذهاب إلى المتخاصمين إلى مقار سكناهم
والسعي للإصلاح بينهم مهما كلفه ذلك من جهد وعناء.
٨- محاربته للعادات المستنكرة، والتقاليد المستقبحة، مثل التبرك
بالأحياء والأموات، وممارسة بعض الشركيات عن جهل، وبخاصة أن بعض من يفدون من اليمن يظللون على الناس ببركة(بن علوان) وأمثاله
ملبسين على الناس أمور دينهم ، مع مواكبة ذلك لبعض المخادعات البصرية السحرية، إلى جانب انتشار أعمال السحر والشعوذة ، وبالذات
سحر التوفيق والتفريق من لدن نكرات ممن لا هم لهم سوى التدليس
والتلبيس على الناس وابتزازهم ماديا وإفقارهم روحيا، ولكن الشيخ
الفقيه كان يتصدى لكل تلك الممارسات الشركية بكل صلادة
وجلادة.
٩- محاربة التقاليد المخالفة للشرع
ومن ذلك الرقص المختلط بين الرجال والنساء، وما يصاحب ذلك من آلات لهو محرمة شرعا، وقد كان للطف الشيخ في إنكاره للمنكر بالحكمة والموعظة الحسنة أبلغ الأثر
في القضاء على هذه الظاهرة المستهجنة إيمانيا واجتماعيا.
١٠- حنكة الشيخ في معالجة ظاهرة الختان، حيث كان لا يختتن فيها الذكور إلا بعد أن يصلوا إلى سن البلوغ ، ويسبق يوم الاختتان بأيام عديدة حفلات ورقصات شعبية يختلط فيها
الرجال بالنساء وتقام فيها الممارسات المحرمة التي تستثير الغرائز، وتهيج العواطف،مما يزيد من حالات الاختلاط في حفلات الرقص التي يحرمها الشرع وتنبذها الفطر السوية، ولذا بادر الشيخ (الفقيه) باستشارة الشيخ أحمد محمد هيجان
قاضي الشقيق الأسبق، والذي حل ضيفا عليه في عام( ١٣٦٣ ) للهجرة،
وهو العام الذي ولد فيه ابنه
(الشيخ ابراهيم )
حيث استشاره في ختان ابنه
والذي مايزال طفلا رضيعا،
حيث أظهر الشيخ الفقيه للشيخ
بن هيجان، إنكاره الشديد للطريقة التي يختتن بها الشباب على رؤوس الأشهاد من الناس، وقد جردوا من ملابسهم وانكشفت عوراتهم للجميع،
لاسيما وإن كشف العورة مخالف لشرع الله ،
كما وأن تأخير سن الختان إلى ما
بعد سن البلوغ ينعكس بآثار صحية واجتماعية ضارة، ناهيك عن التكاليف والمبالغ الطائلة التي تتكبدها أسر المختونين في هذه السن المتقدمة، بالرغم من حالة العوز والفقر التي يرزح تحت
وطأتها معظمهم.
وعندها أشار الشيخ أحمد بن هيجان على الشيخ محمد بن إسماعيل الفقيه يرحمهما الله
بالمبادرة إلى ختان ابنه في اليوم التالي صباحا
لاسيما وأنه يوجد(ختان) يمني في
مدينة بيش، ولما انبلج نور الإصباح
افتتح الشيخ الفقيه مدرسته لاستقبال طلاب العلم، ثم ذهب لبعض الوقت يتفقد مزارعه ومواشيه ، ثم عاد مسرعا إلى داره بعد أن أرسل في طلب الختان، دون علم من زوجته( أم إبراهيم)، فما إن وصل الختان، حتى
تظاهر الشيخ الفقيه أمام زوجته بأنه يريد أخذ طفله (إبراهيم) ليسلم
عليه بعض أصدقائه ،ويدعون له بالبركة والصلاح ، فسرت الأم بذلك وبخاصة
وأنهم كانوا يفرحون بدعاء الصلحاء
الأتقياء، رجاء أن تفتح لصادق دعواتهم أبواب السماء بالقبول
والتوفيق.
ولكن ما إن أمضى الختان(مديته) حتى علا صراخ الطفل مختلطا بأصوات من تعالت إنفعالاتهم
المعبرة عن دهشتهم من ختان الغلام في هذه السن المبكرة، وما كانت لتخطأ تلك الأصوات المتعالية والممزوجة بصراخ الطفل أذن الأم
الرؤوم، والتي أجهشت بالبكاء ومعها
عديد من النسوة من الجيران وذوي القربى استنكارا وذهولا لما حدث، ولكن هيهات هيهات فقد تم الختان ولاجدوى من البكاء والعويل
لتصبح هذه الخطوة الجريئة سنة مجتمعية حميدة احتذى بها الجميع،
وقوبلت من العقلاء بالإستحسان والرضى ووضعوها موضع التنفيذ.
* سيرته العملية :
١-إماما وخطيبا لجامع السلامة العليا منذ عام ١٣٥٦ه إلى عام ١٣٧٢ه محتسبا لوجه الله .
٢- معلما في الدار التي أنشأها مدرسة لتعليم البنين والبنات
منذ عام ١٣٥٨ للهجرة حتى حل التعليم النظامي بافتتاح أول مدرسة
ابتدائية عام ١٣٨٢ه ،أي أن الشيخ أمضى حوالي ربع قرن من الزمان
معلما ومديرا احتسابا لما عند الله
من الأجر والمثوبة.
٣- صدر قرار تعيين الشيخ محمد إسماعيل الفقيه إماما وخطيبا في جامع السلامة العليا براتب قدره مائة
ريال عام ١٣٧٢ه.
٤-تم نقله إماما لمسجد الشيخ محمد إسماعيل الفقيه في عام ١٣٩٢ه بسبب فقدانه لبصره، وهو الأمر الذي تعذر معه على الشيخ الاستمرار في الخطابة وقد تولى ابنه الأكبر الشيخ(ابراهيم) الإمامة والخطابة في الجامع خلفا لوالده،وقد استمر الشيخ إماما لمسجده بالرغم من انه قد كف بصره حتى انتقل إلى جوار ربه في عام ١٤٣١/٣/٢٣ه عن عمر ناهز المائة عام.
٥-مأذون عقود أنكحة محتسب.
٦-مصلح اجتماعي محتسب حيث أجمع أهل السلامة العليا على أهليته وخيريته .
وحنكته في فض الخصومات وحل المنازعات.
* مآثره العلمية :
إن من أنفس مايسعد به الدعاة ومعلموا الناس الخير، هو مخرجاتهم العلمية من
الدعاة والمشايخ وأرباب النفع العميم
في المجتمع، لذا كانت مآثر الشيخ في هذا الجانب جليلة ومخرجاته
نفيسة ومجهوداته مباركة
وهي من مفاخر الزمان وشرف المكان، وإن من أبرز طلاب العلم الذين تتلمذوا
على يد الشيخ في بدايات مراحلهم التعلمية:
١- الشيخ إبراهيم محمد إسماعيل الفقيه يرحمه الله، مدير مدارس تحفيظ القرآن الكريم بصبيا سابقا،
وإمام وخطيب جامع السلامة العليا.
٢- الشيخ إسماعيل محمد إسماعيل الفقيه، مراقب تعليم البنات، ثم
كاتب عدل محكمة الحقو.
٣- الشيخ قاسم بن علي شماخي يرحمه الله، مدير تعليم البنات بمنطقة عسير سابقا.
٤- الشيخ قاسم محمد مشهور شماخي، رئيس محاكم محايل، وعضو محكمة الاستئناف سابقا يرحمه الله.
٥- الشيخ عيسى رديف منصور شماخي، مدير تعليم البنات بمنطقة جازان سابقا.
٦- الشيخ محمد حسين علي هجنبي، مدير متوسطة وثانوية بيش.
٧- الشيخ علي محمد حسن شماخي، وكيل متوسطة وثانوية بيش.
٨- الشيخ عيسى محمد عيسى شماخي، موجه تربوي وإمام جامع صبيا سابقا.
٩- الشيخ السيد حمود حسن محرق، ناشط ومصلح اجتماعي.
١٠- الشيخ السيد يحيى حسن محرق، موجه سابق.
١١- الشيخ عيسى محمد مشهور، مدير ثانوية الملحاء سابقا.
١٢- الشيخ مشهور عبدالله شماخي، معلم في المعهد العلمي … سابقا.
١٣- الشيخ حسن أحمد سهلان القبي، موجه تربوي سابق.
١٤-الشيخ عبده ابراهيم اسماعيل
يرحمه الله قاضي…
١٥-الشيخ حسين بن علي منصور شماخي ، يرحمه الله.كاتب ضبط سابق في محكمة صبيا.
* كفالته للأيتام:
إن كفالة الأيتام مجلبة للخير العميم ،
ومدعاة للأجر العظيم كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام،
(أنا وكافل اليتيم كهاتين…وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى.. ) ولذا فإن الروح الخيرية التي كانت يتمتع
بها والأبوة الرحيمة، والجبلة الإحسانية التي ينعم بها الشيخ ، أهلته ودون أدنى ريب أن يكون ملاذا للأيتام ومن في حكمهم ممن يحتاجون إلى الاحتواء والتوجيه والعناية والتربية والرعاية ، ومن الأمثلة الجلية على ذلك ، كفالته لسعادة الشيخ الدكتور محمد بن منصور حاوي، في طفولته، حيث صدر بذلك صك شرعي ، بتاريخ
١٣٨٥/٧/١٥، تضمن تزكية كل من
شيخ السلامة العليا الشيخ حسين بن علي هجنبي ، والشيخ إسماعيل بن جبريل ، للشيخ محمد بن اسماعيل بن مهدي الفقيه، حيث قررا لدى فضيلة القاضي اختيارهما له ليكون
وصيا على ولد المتوفى منصور حاوي، وذلك نظرا لديانته وأمانته، ولما اشتهر به من حفظ حقوق اليتامى والقصار، ولذا تم تفويضه بحفظ مال اليتيم وصرفه عليه بالمعروف وعمل كل مافيه مصلحة القاصر…وقد كان الشيخ يرحمه الله أهلا لذلك ، إذ رباه أحسن ما تكون التربية، ووجهه أفضل مايكون التوجيه، فواصل دراسته بكل جدارة ، وأكمل تعليمه بكل تفوق حتى نال شهادة الدكتوراة العالمية، وغدا أستاذا جامعيا ذائع الصيت. تزدان المكتبة العربية والإسلامية بعديد من مؤلفاته القيمة، ومجهوداته البحثية النفيسة، ودراساته العلمية المحكمة،
ناهيك عن مناقشته لأعداد كثيرة
من رسائل وأطروحات الماجستير
والدكتوراه.
ولم تقتصر كفالة الشيخ على محمد منصور حاوي فحسب ، بل كانت داره المباركة موئلا للفقراء واليتامى والمساكين، ابتغاء ماعند الله من الأجر، وكان يستخفي بهذا العمل الإحساني الجليل رجاء
نيل الأجر الأوفى ومضاعفة المثوبة،
كما اشتهر عنه يرحمه الله، حفظه لحقوق اليتامى والمساكين ، حتى يبلغوا سن الرشد ، وتكون لديهم الأهلية في حسن التصرف بكل رشادة وحسن تدبير في أموالهم.
* شفاعات الشيخ وخدمته للناس:
أثر عن الشيخ يرحمه الله بأنه كان يستعذب السعي في إضفاء
السرور على الآخرين، ولايجد في ذلك حرجا أو عنتا، بل كان يسعى بنفسه إلى تلمس حاجات أرباب الحوائج والوقوف إلى جانبهم في كل ما كان يسعه من مد يد العون والمساعدة لدى المسؤولين وأرباب
الوجاهة، ومن ضمن الأدلة على ذلك الوثيقة المؤرخة في ١٣٧٤/٦/٥ ه
والممهورة بتوقيع الشيخ عبدالله القرعاوي، والتي تتضمن شفاعة الشيخ محمد بن إسماعيل الفقيه لدى الشيخ القرعاوي يرحمهما الله
لتوظيف محمد بن عيسى عبده من خلال سماحة المفتي،كما تضمنت الوثيقة
حث الشيخ القرعاوي وتكليفه للشيخ محمد بن اسماعيل لافتتاح عدد من المدارس عند الشيخ ضيف الله وغيره.
ومن المؤكد أن جل شفاعات الشيخ كانت شفهية، مما يتعذر معه حصرها وعدها ، لأن معظم من واكبوه في تلك الحقبة الزمنية
قد رحلوا إلى بارئهم، ولكن مآثر الشيخ في الشفاعات ستظل محل ثناء الأوفياء وتقدير الأمناء.
* نظارته للأوقاف:
أجمع خيار وأهل الحل والعقد في السلامة العليا، على أهلية الشيخ وكفاءته في نظارة الأوقاف والإشراف عليها ، ومن ذلك :
$ تم توليته على قبض غلال ،
(أوقاف مسجد الغوا) حيث اختاره جماعة المسجد في حفظ الوقف وتحصيل غلاله وصرفه على المسجد
، وشهدوا له بالدين والأمانة، وأهليته
في قبض غلال الوقف وصرفه على شرط الواقف، وأن له الحق في تولية من يشاء، وعزل من يشاء.
$اختاره وارتضاه أعيان ومشايخ قرية السلامة العليا وتوابعها ليكون وكيلا قائما على ( أوقاف المساجد
والآبار والأعمال الخيرية)وذلك نظرا لأمانته وعدالته، وبناءا على ذلك طلبوا من قاضي صبيا تعيين الشيخ
محمد بن اسماعيل وكيلا شرعيا للإضطلاع بهذه المهام الوقفية والخيرية الجسيمة، وكان ذلك بتاريخ ١٣٥٨/١/١٠ للهجرة بموجب طلب رسمي تقدم به شيخ قرية السلامة العليا في تلك الحقبة الشيخ حسين بن علي شماخي ، وبعض أعيان ووجهاء القرية، وقد أمضى فضيلة القاضي طلبهم هذا بتاريخ :
١٣٥٨/٢/٢٣ للهجرة،وظل الشيخ يقوم بهذه المهمة الخيرية لما يربو
على عشرين عاما حتى كبرت سنه
ووهن عظمه ، وتداعت صحته، وعندها تقدم بخطاب لشيخ السلامة العليا وأعيانها بتاريخ ١٣٧٨/٤/١٢ ه
يعتذر فيه عن الاستمرار في الإشراف على الأوقاف، مبررا ذلك بعجزه وكبر سنه، وبأسلوب لغوي بليغ ، ونمط اعتذاري بديع قائلا
(نظرا لعجز وكبر سني،فأروم وأسترحم من سعادتكم أن تجعلون
من ترونه …للقيام بهذه المسؤولية..)
فجاءه الرد على ذات خطابه الاعتذاري من لدن شيخ السلامة العليا، الشيخ حسين بن علي هجنبي،….بأنه تم تعيينه من قبل الدولة، وعليه مخاطبة الدولة في طلب الإعفاء ، وفي هذا الرد من شيخ السلامة العليا ما يشير إلى :
@ ذكاء الشيخ حسين الهجنبي، في تشبثه وحرصه على بقاء الشيخ محمد إسماعيل مسؤولا عن الأوقاف والأعمال الخيرية.
@ فطنة الشيخ حسين الهجنبي وحنكته في توجيه الشيخ للتقدم بطلب الاعتذار من الدولة(الجهات الرسمية)
لعلمه القاطع بأن الجهات الرسمية، لابد وأن تستشير شيخ القرية، وهي بغية يتمناها الشيخ الهجنبي في بقاء الشيخ محمد بن اسماعيل بن مهدي الفقيه مسؤولا عن الأوقاف والأعمال الخيرية حتى يقضي الله أمرا
كان مفعولا.
@ صدقات الشيخ يرحمه الله : وبموجب وثيقة محررة في تاريخ غرة رمضان لعام ١٤٣٩ للهجرة ،
-وعلى يد الشيخ عبدالله بن عيسى والد- حيث تصدق وهو في كامل أهليته بقطعة أرض سكنية في قرية حلة العزامة، الحارة الشمالية الشرقية، وهي الأرض المشهورة،
( بزهب أم كندي) لتكون مصلى للعيدين، وقد أشهد على ذلك كلا من
ابنه، الشيخ أحمد بن محمد إسماعيل فقيه، والشيخ الدكتور
محمد بن منصور حاوي.
ودعما لاستمرارية هذا الوقف الخيري
المبارك، فقد بادر نجله الشيخ
أحمد محمد إسماعيل فقيه، إلى تسليم الشيخ( عبد الله بن عيسى والد ) مبلغ وقدره خمسون ألف ريال مساهمة لوالده في بناء مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم في أرض والده التي سبق وأن تبرع بها
ابتغاء ما عند الله من الأجر والمثوبة،
وذلك بتاريخ ١٤٣١/٨/٢١ للهجرة.
فقه الشيخ :
تأثر الشيخ بفقه المشايخ الذين تتلمذ عليهم في صغره، وكذلك الذين
جاءوا من بعده ولازمهم في كبره، مثل الشيخ عبد الله القرعاوي، والشيخ حافظ الحكمي ، بالإضافة إلى أصحاب الفضيلة القضاة، إلى جانب العلماء والدعاة الذين كانوا يزورون قرية السلامة العليا، وكذلك كان الشيخ محمد اسماعيل بن مهدي فقيه يستثمر رحلاته في الحج لمقابلة أصحاب السماحة المفتين والعلماء، فينهل من معين فقههم
ويتروى من مناهل علمهم، مما جعل ذلك ينعكس في أسلوب حياته الاجتماعية، ونمط حراكاته الدعوية
والخيرية والإحسانية، ولعل من بين أبرز الشواهد المأثورة عن الشيخ مايلي :
# عمله كمأذون شرعي لقرية السلامة العليا، إلى جانب عمله خطيبا وإماما للجامع، وهذا يدل على فقه الشيخ ودرايته العلمية، بأحكام
وقواعد الزواج، وهي مهمة نبيلة لايمكن أن تسند إلا لمن أهل للقيام بها ، ويكون على دراية بأحكام النكاح وشروطه وعلله، وكان يتم مخاطبته مباشرة من لدن رئيس محكمة صبيا في ما يتعلق بشؤون عقود الأنكحة، ومن ذلك الخطاب الموجه من لدن رئيس المحكمة فضيلة الشيخ محمد بن يحي القرني، والذي طلب فيه من الشيخ محمد اسماعيل حصر عدد
عقود الأنكحة التي تم تحريرها
خلال الفترة من غرة محرم لعام
١٤٠٣ هجرية،وإلى نهاية شهر ذي الحجة لعام ١٤٠٣ للهجرة.
# دور الشيخ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي مهمة جليلة
وشاقة في نفس الوقت، ولكن من عاصر الشيخ يشهدون بأن الشيخ
محمد بن اسماعيل كان يدعو إلى الله
بالحكمة واللطف واللين سواء أكان ذلك من خلال خطب الجمعة أو الدروس التي كان يلقيها ، أو من خلال استثمار المناسبات والفعاليات العامة والخاصة التي يجتمع فيها
الناس، وكان الشيخ يرحمه الله في أسلوبه الدعوي، يسترشد بالتوجيه القرآني ، في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة،
ولذا كانت ترده الخطابات من المسؤولين مباشرة من منطقة جازان،
ومن الرياض. فيما يتعلق بأمور الدعوة إلى الله. ومن ذلك
وعلى سبيل المثال/
= خطاب رئيس المحكمة الكبرى
بجازان بتاريخ ١٣٧٩/١٠/١١هجرية،
بشأن محاربة ظاهرة التبرج في الأسواق والأماكن العامة، وحث أولياء الأمور على متابعة وتوجيه كل من يقع تحت ولايتهم لتحصينهم من اقتراف هذه المخالفة الشرعية
المرفوضة شرعا وعرفا.
= الخطاب الموجه من سعادة المفتش العام برئاسة القضاء،
والموجه لفضيلة الشيخ محمد إسماعيل مهدي فقيه، إمام مسجد السلامة العليا بجازان ، بتاريخ ١٣٧٨/٨/٢٦ حيث تضمن الخطاب توجيه الشيخ وحثه على إقامة الدروس والمواعظ في شهر رمصان،
والتي ينتفع بها الناس في أمور
دينهم ودنياهم على هدي من القرآن الكريم والسنة المطهرة.
# فقه الميراث لدى الشيخ:
حرر الشيخ يرحمه الله وقبل وفاته،
وثيقة بتاريخ ١٣٩١/٦/٦ للهجرة، حيث أوصى فيها بالتصدق بثلث ماله،محبوس الأصل ، منفوذ الثمار لايباع ولايورث، يكون نفعه
على أولاده من صلبه، وعلى زوجته
طالما بقيت على قيد الحياة ، وكذلك على أخته (مرغمه) ، ما امتدت بها الحياة، وما عدا ذلك يكون نفعه على شرط الواقف كما تضمنت ذلك الوثيقة آنفة الذكر،والتي صيغت بأسلوب يدل على فقه الشيخ ورشادته وعدالته.
* سخاء الشيخ وكرمه:
حرص الشيخ محمد بن إسماعيل بن مهدي الفقيه يرحمه الله، بأن يكون
سكنه على الطريق الرئيس الذي يعبر
من خلاله المسافرون وقاصدوا الحرمين الشريفين من الحجاج والمعتمرين والزوار…ولزيادة حرصه على إطعام الطعام لابن السبيل والفقراء والمساكين، ومن تقطعت بهم السبل، فقد أقام مسجده أيضا على قارعة الطريق. وكان يخصص يوميا وجبة مستدامة، من اجود المأكولات الشعبية من ( الخمير، والدخن، والحالي، والثريث، والحليب، واللبن الرائب، والسمن،
وزيت السمسم…وغيرها من الأصناف الغذائية الموسمية) وذلك لسد حاجة الجوعى والفقراء وعابري الطريق ومن تقطعت بهم السبل. ناهيك عن الولائم التي كان يقيمها لإكرام الأضياف والزوار وللاحتفاء بطلاب العلم والفقهاء والدعاة والمرشدين.
* حياة الشيخ الأسرية:
عاش الشيخ يرحمه الله حياة جمعت بين الرزانة والرشادة،
والبساطة والزهادة، وكان يستشعر مسؤوليته أمام الله ،ثم أمام أهل القرية باعتباره طالب علم وفقيه القرية … وأن عليه أن يترسم سيرة الرسول الأسوة، والنبي القدوة محمد عليه الصلاة والسلام
في تعاملاته المجتمعية ، وفي نمط
حياته العائلية، وبالذات في اختياره للنساء الصالحات من البيوتات العريقة، والأسر الكريمة، إلى جانب
حسن تربيته وتنشئته لأبنائه وبناته،
وكل من كفلهم وعناهم شأنه من الأيتام والمساكين
والقاصرين ومن في حكمهم، وهو الأمر الذي شهد ويشهد به له أهل القرية أمواتا وأحياء.
ولذا كانت حياة الشيخ الأسرية على النحو التالي:
& أنه جزء لايتحزأ من النسيج الاجتماعي في أعرافه الحميدة ونواميسه المجيدة.
& تزوج خمس نساء فضليات في حياته المديدة، وكلهن من ذوات الأحساب والإنساب الرفيعة، ومن بيئات الصلاح والعفاف والتقى،وهن/
الأولى: المصونة، بنت موسى علي الدواري.
الثانية:المصونة خديجة رشيد محمد دحشي.
الثالثة:المصونة عمرانة أحمد إبراهيم مشرفه.
الرابعة:المصونة فاطمة محمد ابراهيم الفقيه.
الخامسة:المصونة خديجة محمد حيدرحكمي.
كما أنجب الشيخ العديد من الأبناء والبنات الصالحين والصالحات، وهم:
( الذكور) :
$،الشيخ ابراهيم محمد إسماعيل، يرحمه الله والذي عمل مديرا لمدارس
تحفيظ القرآن الكريم بصبيا إلى جانب قيامه بالخطابة والإمامة في جامع قرية السلامة العليا ، وكان من الدعاة البارزين والموفقين.
$الشيخ إسماعيل محمد اسماعيل يرحمه الله ،والذي عمل مراقبا لتعليم البنات بجازان، ثم كاتبا للعدل بمحكمة الحقو، وهو ناشط اجتماعي مشهود له بالسماحة والأريحية.
$الشيخ أحمد محمد إسماعيل، وهو تربوي قدير،ومعلم جدير، ويعد امتدادا لوالده في إمامة مسجد الفقيه بالسلامة العليا، وهو من وجهاء وأعيان قرية السلامة العليا،
وقد عمل مراقبا للأوقاف في السلامة العليا وتوابعها،
وله مجهودات دعوية وتوعوية وتربوية وخيرية، تذكر فتشكر.
$ الأستاذ المحترم عبدالله محمد اسماعيل،والذي عمل في بلدية
جدة بكل جد واجتهاد واخلاص.
&الشيخ عيسى محمد إسماعيل،
والذي عمل معلما للشريعة الإسلامية
في مدرسة السلامة العليا حتى تقاعد نظرا لظروفه الصحية.
& الأستاذ شيبان محمد إسماعيل،
ويعمل حاليا معلما ومربيا للأجيال في مدرسة الفطيحة الإبتدائية.
وأما بنات الشيخ محمد إسماعيل بن صديق الفقيه، فهن الفضليات:
$الفاضلة سلمى محمد اسماعيل،
وكانت معلمة محتسبة لوجه الله في مسجد والدها حتى وفاتها المنية رحمها الله
$الفاضلة صفية محمد إسماعيل،والتي توفيت بعد زواجها بعام واحد، وهي لما تزل في شرخ الشباب .
$ الفاضلة، الأستاذة جواهر محمد إسماعيل، وقد عملت معلمة في مدرسة السلامة العليا، حتى تقاعدت.
$ الفاضلة،عائشة محمد اسماعيل، والتي تزوجت مبكرا، وماتت مبكرا
أيضا يرحمها الله.
$ الفاضلة،فاطمة محمد إسماعيل،
والتي عملت معلمة في مدرسة السلامة العليا وقد تقاعدت مبكرا
نظرا لظروفها الصحية.
وحري بالذكر بأن ذرية الشيخ محمد إسماعيل الفقيه، تحظى بالاحترام من الجميع ، تقديرا لمكانة والدهم العلمية يرحمه الله، ولأنهم جميعا كانوا خير خلف لخير سلف.
ومما تجدر الإشارة إليه بأن لدى الشيخ الفقيه يرحمه الله أسر ممتدة
وواسعة من الأحفاد والأسباط،
الذي يعتد بخيريتهم ونجابتهم.
* وفاة الشيخ يرحمه الله.
بعد حياة حافلة بحسن الدعوة إلى الله وبأسلوب تطرب له الآذان ، وتسعد به النفوس، وتشمخر الرؤوس،
وبعد حياة مجتمعية عامرة بالتدريس والتوجيه والإرشاد، بل وبعد نضالات مجتمعية زاخرة بالإصلاح بين الناس، ومحاربة البدع والخرافات إلى جانب مجهودات الشيخ محمد بن إسماعيل بن صديق الفقيه في رعاية وكفالة الأيتام والمساكين والأرامل، والقيام على شؤون الاوقاف والأعمال والمبرات
الخيرية في السلامة العليا…بعد كل
هذه المسيرة المباركة والحافلة بالمجهودات الموفقة والمسددة..رحل
عن دنيا الناس الفانية، إلى دار الآخرة الباقية الشيخ الجليل والداعية الفضيل ، وذلك عن عمر ناهز المائة عام بثلاث سنوات ، هي شاهدة على مآثره المحمودة ، ومواقفه المشهودة، وقد كان يوما عسيرا على أهل قرية السلامة العليا توشح بالحزن، ولم يخل بيت من بيوتاتها إلا وقد أحس بلوعة فراق الشيخ ، وما أحدثه من فراغ كبير في نفوس أهل قرية السلامة، الذين نهلوا من علم الشيخ
وانتفعوا بفقهه وورعه وتقاه، وكان موكب تشييعه إلى مثواه الأخير دليل صدق على عظم مكانة الشيخ واتساع نفعه، حيث غصت المقبرة
بالحشود ولهجت الألسن بصادق الدعوات للشيخ بالرحمة والغفران،
وقد رثاه عديد من طلاب العلم ومحبوه من الأقارب والأباعد، ومن ذلك ما باح به الشاعر النبيل الشيخ أحمد محمد القبي، في حدث وفاته الجلل والذي كان في يوم الثلاثاء الحزين الموافق
١٤٣١/٣/٢٣ للهجرة، وقد جاء في ديباجة القصيدة مانصه( أنها قيلت في وفاة الإمام العلامة محمد إسماعيل فقيه رحمه الله ، فقيه القرية…..وإمام الزاهدين ) حيث يقول الشاعر المكلوم:
في قريتي الحزن صار إزارا
والموت أصبح واقعا جبارا
في قريتي لاسالي حتى الصبي
لم يستطع أن يصطبر فانهارا
قضى الفقيه لربه متدثرا
بعباءة التقوى وكان منارا
ومضى إلى خير الجنان مورثا
علما وذكرا في الخلود تبارى
عز الوداع وأظلمت من بعده
الدنيا وصار مزاجها قهارا
يا قريتي عز الرحيل فأصبحت
آمالنا لا تلحق الأخبارا
إمام الزاهدين رحلت عنا
فأصبحت الدموع لنا خيارا
سنذكر للفقيه من السجايا
مآثره التي عاشت خضارا
إمام الزاهدين أيا فؤاد
بحبل الدين قد قطف الثمارا
ألا ياحادي المخلاف شرق
وغرب إن نورك قد توارى
ويا كم هجرة علمت فيها
كتاب الله تهديك افترارا
أممت المسلمين مدار قرن
وعلمت الصغار مع الكبارا
ملئت مساجد المولى ورودا
وشيدت المآذن كي تزارا
إمام أهل كتاب الله ولى
وأعلم من علمناه استدارا
لأهل العلم بيضت الأيادي
فلم تبخل ولم تعرف عثارا
نهلت العلم من علماء جيل
هم الأفذاذ قد بعثوا منارا
وجئت وكل ذاك العصر جهل
فبينت المقاصد للحيارى
بمثلك قيض الباري رجالا
لهذا الدين كي يعلو افتخارا
أيا دنيا ترجل عنك فحل
ونور من سراج الله دارا
سيأتي العيد بعدك يا إمام
على ولع به الشوق استجارا
سيأتي دون صاحبه حزينا
يسائل عن تلاوتك النهارا
سنذكر فيه وجهك كيف كانت
به الأنوار تلتمس الوقارا
حزين مسجد الفقهاء بعدك
أردت أساسه علما فصارا
وإن خسارة العلماء خطب
عظيم لايقاس ولايجارى.

كما رثى الشيخ الفقيه خطباء وأئمة المساجد وطلاب العلم على المنابر
وفي حلق الذكر،وخمائل الدعوة إلى الله ، كما رثاه المسؤولون والوجهاء
وعامة الناس،وخاصتهم، ليس في قرية السلامة فحسب، بل حتى في خارجها لما للشيخ من مكانة جلى
ومآثر عظمى، رحم الله الشيخ محمد
بن إسماعيل بن صديق الفقيه، وأنزل
على قبره من شآبيب رحماته.